السبت، 4 يونيو 2022

جابر عثرات الكرام


كان في أيام الخليفة ( سليمان بن عبد الملك )  رجل من بني أسد يقال له "خزيمة بن بشر"، وكان مشهورا بالمروءة والكرم والمواساة، وكانت نعمته وافرة، فلم يزل على تلك الحالة حتى احتاج إلى إخوانه الذين كان يواسيهم ويتفضل عليهم، فواسوه حينا ثم ملوه، فلما لاح له تغيرهم أتى امرأته ـ وكانت ابنة عمه ـ فقال لها: يا بنت العم! قد رأيت من إخواني تغيُّرا، وقد عزمت على لزوم بيتي إلى أن يأتيني الموت، ثم أغلق بابه عليه، وأقام يتقوت بما عنده حتى نفد، وبقي حائرا في حاله.

وكان عكرمة الفياض (سمي بذلك لفرط كرمه) واليا على الجزيرة، فبينما هو في مجلسه، إذ جرى ذكر خزيمة بن بشر، فقال عكرمة: ما حاله؟ فقالوا: صار في أسوأ الأحوال، وقد أغلق بابه، ولزم بيته. فقال عكرمة الفياض: فما وجد خزيمة بن بشر مواسيا ولا مكافئا؟

فلما كان الليل عمد إلى أربعة آلاف دينار فجعلها في كيس واحد، ثم أمر بإسراج دابته، وخرج سراً من أهله، فركب ومعه غلام واحد يحمل المال، ثم سار حتى وقف بباب خزيمة، فأخذ الكيس من الغلام، ثم أبعده عنه، وتقدم إلى الباب فطرقه بنفسه، فخرج خزيمة فقال له: أصلح بهذا شأنك، فتناوله فرآه ثقيلا، فوضعه وقبض على لجام الدابة وقال له: من أنت جُعلت فداك؟ قال له: ما جئت في هذا الوقت وأنا أريد أن تعرفني، قال خزيمة: فما أقبله أو تخبرني من أنت؟ قال: أنا جابر عثرات الكرام، قال: زدني، قال: لا، ثم مضى.

ودخل خزيمة بالكيس إلى امرأته فقال لها: أبشري فقد أتى الله بالفرج، فلو كان في هذا فلوس كانت كثيرة، قومي فاسرجي، قالت: لا سبيل إلى السراج، فبات يلمس الكيس فيجد تحت يده خشونة الدنانير.

ورجع عكرمة إلى منزله فوجد امرأته قد افتقدته، وسألت عنه، فأُخبرت بركوبه منفرداً، فارتابت، فلما رآها تلك الحالة قال لها: ما دهاك يا ابنة العم؟ قالت: سوء فعلك بابنة عمك، أمير الجزيرة لا يخرج بعد هدأة من الليل منفرداً عن غلمانه في سرّ من أهله إلا إلى زوجة أو سريّة؟ فقال: لقد علم الله ما خرجتُ لواحدة منهما، قالت: لابد أن تُعلمني، قال: فاكتميه إذاً، قالت: أفعل، فأخبرها بالقصة على وجهها.

ثم أصبح خزيمة فصالح غرماءه، وأصلح من حاله، ثم تجهز يريد سليمان بن عبد الملك بفلسطين، فلما وقف ببابه دخل الحاجب فأخبره بمكانه، وكان مشهوراً لمروءته، وكان الخليفة به عارفا، فأذن له، فلما دخل عليه وسلم بالخلافة قال: يا خزيمة! ما أبطأك عنا؟، فقال: سوء الحال يا أمير المؤمنين، قال: فما منعك من النهضة إلينا؟ قال: ضعفي. قال: فمَن أنهضك؟ قال: لم أشعر يا أمير المؤمنين بعد هدأة من الليل إلا ورجل يطرق بابي، وكان منه كيت وكيت، وأخبره بقصته من أولها إلى آخرها، فقال: هل عرفته؟ قال: لا والله لأنه كان متنكرا، وما سمعت منه إلا "جابر عثرات الكرام".

قال: فتلهف سليمان بن عبد الملك على معرفته، وقال: لو عرفناه لأعنَّاه على مروءته، ثم قال علّي بقناة، فأتي بها فعقد لخزيمة الولاية على الجزيرة، وعلى عمل عكرمة الفياض، وأجزل عطاياه، وأمره بالتوجه إلى الجزيرة.

خرج خزيمة متوجها إلي الجزيرة، فلما قرب منها خرج عكرمة وأهل البلد للقائه فسلم عليه، ثم سارا جميعاً إلى أن دخلا البلد، فنزل خزيمة في دار الإمارة، وأمر أن يؤخذ عكرمة وأن يحاسَب وما يدري أنه صاحبه، فحوسب، ففضل عليه مال كثير، فطلبه خزيمة بالمال، فقال: مالي إلى شيء منه سبيل، فأمر بحبسه، ثم بعث يطالبه، فأرسل إليه: إني لست ممن يصون ماله لغرضه (أي لا يبقي منه شيئا ولا يدخر).

فأمر به فكُبل بالحديد وضُيِّق عليه، وأقام على ذلك شهراً، فأضناه ثقل الحديد، وأضرّ به، وبلغ ذلك ابنة عمه، فجزعت عليه واغتمت، ثم دعت مولاة لها ذات عقل وقالت: امضي الساعة إلى باب هذا الأمير فقولي: عندي نصيحة، فإذا طُلبت منك قولي: ولا أقولها إلا للأمير خزيمة، فإذا دخلتِ عليه سليه الخلوة، فإذا فعل قولي له: ما كان هذا جزاء جابر عثرات الكرام منك في مكافأتك له بالضيق والحبس والحديد؟، قال: ففعلت ذلك، فلما سمع خزيمة قولها قال: واسوأتاه! جابر عثرات الكرام غريمي؟!، قالت: نعم.

فأمر من وقته بدابته فأُسرجت، وركب إلى وجوه أهل البلد فجمعهم، وسار بهم إلى باب الحبس ففُتح، ودخل فرأى عكرمة الفياض في قاع الحبس متغيراً قد أضناه الضر، فلما نظر عكرمة إلى خزيمة وإلى الناس أحشمه ذلك، فنكس رأسه، فأقبل خزيمة حتى انكب على رأسه فقبله، فرفع رأسه إليه وقال: ما أعقب هذا منك؟!! قال: كريم فعلك وسوء مكافأتي، قال يغفر الله لنا ولك، ثم أمر بفك قيوده، وأن توضع في رجليه، فقال عكرمة: تريد ماذا؟، قال: أريد أن ينالني من الضر مثل ما نالك، فقال: أقسم عليك بالله أن لا تفعل.

فخرجا جميعاً إلى أن وصلا إلى دار خزيمة، فأكرمه وحسن هيئته، واعتذر من زوجته.. ثم سأله أن يسير معه إلى أمير المؤمنين، وهو يومئذ مقيم بالرملة، فأنعم له بذلك، فسارا جميعا حتى قدما على سليمان بن عبد الملك، فدخل الحاجب فأخبره بقدوم خزيمة بن بشر، فراعه ذلك وقال: والي الجزيرة يقدم علينا بغير أمرنا مع قرب العهد به؟!؛ ما هذا إلا لحادث عظيم!

فلما دخل عليه قال قبل أن يسلِّم: ما وراءك يا خزيمة؟ قال: خير يا أمير المؤمنين، قال: فما أقدمك؟ قال: ظفرت بـ"جابر عثرات الكرام"، فأحببت أن أسرك لما رأيت من شوقك إلى رؤيته، قال: ومن هو؟ قال: عكرمة الفياض.

فأذن له في الدخول، فدخل فسلم عليه بالخلافة، فرحب به، وأدناه من مجلسه، وقال: يا عكرمة كان خيرك له وبالا عليك، ثم قال له: اكتب حوائجك وما تختاره في رقعة، فكتبها، وقضيت على الفور، ثم أمر له بعشرة آلاف دينار، مع ما أضيف إليها من التحف والظرف، ثم دعا بقناة وعقد له على الجزيرة وأرمينية وأذربيجان، وقال له: أمرُ خزيمة إليك؛ إن شئت أبقيته، وإن شئت عزلته، قال: بل رده إلى عمله يا أمير المؤمنين، ثم انصرفا جميعاً، ولم يزالا عاملين لسليمان بن عبد الملك مدة خلافته.


ذكره ابن حجة الحموي في كتابه "ثمرات الأوراق" (151-153).

وذكره أيضا التنوخي في "المستجاد من فعلات الأجواد" (6-8).

وذكره أيضا أبو الحسن بن هذيل في كتاب "عين الأدب والسياسة وزين الحسب والسياسة" صفحة 199 مع اختلاف في الشخصيات.

الأربعاء، 10 فبراير 2016

دهاء الملك والعجوز



كان في أحد الأزمان السالفة ملكاً و وزيره يتجولان في المملكة ، و عندما وصلا إلى أحد العجزة في الطريق دار الحديث التالي بين الملك و الرجل العجوز:
الملك: السلام عليكم يا أبي.
العجوز: و عليكم كما ذكرتم و رحمة الله و بركاته.
الملك: و كيف حال الإثنين؟
العجوز: لقد أصبحوا ثلاثة.
الملك: و كيف حال القوي؟
العجوز: لقد أصبح ضعيفاً.
الملك: و كيف حال البعيد؟
العجوز: لقد أصبح قريباً.
الملك: لا تبع رخيصاً.
العجوز: لا توص حريصاً.
كل هذا المشهد دار و الوزير واقفٌ لا يفقه شيئاً منه، بل و قد أصابته الدهشة و الريبة و الصدمة.

ثم مضى الملك و وزيره في جولتهم؛ و عندما عاد الملك إلى قصره سارع الوزير إلى بيت الرجل العجوز ليستفسر عن الذي حدث أمامه في ذلك النهار.

وصل إلى بيت العجوز و مباشرة إستفسره عن الموضوع، و لكن العجوز طلب مبلغا من المال فأعطاه الوزير ألف درهم،


فقال له العجوز : فأما الإثنين فهما الرجلين و أصبحوا ثلاثة مع العصا.

و في السؤال الثاني طلب العجوز ضعفي المبلغ الأول فأعطاه ألفين

فقال: فأما القوي فهو السمع و قد أصبح ضعيفاً،

ثم طلب ضعفي المبلغ الذي قبله فأعطاه الوزير أربعة آلاف فقال: فأما البعيد فهو النظر و قد أصبح نظري قريباً.

و عندما سأله الوزير عن السؤال الأخير امتنع العجوز عن الإجابة حتى أعطاه الوزير مائة ألف درهم

فقال: إن الملك كان يعلم منك أنك ستأتي إلي لتستفسرني عن الذي حدث و أني سأشرح لك و أوصاني بأن لا أعطيك مفاتيح الكلام إلا بعد أن أحصل على كل ما أريد و ها قد حصلت، ثم مضى الوزير و هو مبهور بما حصل معه في ذاك النهار.

رَجَعَ بخُفّي حُنَينْ

" كان حنين حَذّاء فجاءه أعرابي ذات يوم ليشتري منه خُفّين. لم يقبل الأعرابي السعر الذي طلبه حنين ثمناً للخفين، وظلّ يساومه لينقص السعر حتى تضايق حنين منه. وبعد نقاش طويل انصرف الأعرابي من غير أن يشتري الخفين. فغضب حنين، وأراد أن يغيظه، وفكر له في خدعة يخدعه بها.
ركب الأعرابي جمله ليعود إلى قبيلته، فأسرع حنين إلى الطريق الذي سيسلكه الأعرابي فوضع أحد الخفين في وسط الطريق، وسار مسافة ثم ألقى الخفّ الآخر في مكان أبعد قليلاً.
مر الأعرابي بمكان الخفّ الأول، فأمسك بالخفّ ونظر إليه متعجباً وقال: ((ما أشبه الخف بخف حنين الإسكافي! ماذا يفيد هذا الخف وحده ؟! لو كان معه الخف الآخر لأخذتهما)). ترك الأعرابي الخف، وتابع طريقه حتى وصل إلى الخف الثاني! فنزل من فوق الجمل وأمسك الخف الثاني، وقلّبه في يده وقال:
يا للعجب! هذا الخف أيضاً يشبه خُفَّ حنين تماما، يا لسوء الحظ ! لماذا تركت الخف الأول لو أخذته معي، لنفع الخفان. ينبغي أن أرجع فوراً وأُحضر الخُفَّ الأول وكان حُنين يراقب الأعرابي من خلف تلّ قريب لينظر ماذا سيفعل. فلما رآه قد مشى ليحضر الخف الأول أسرع وساق جمله بما عليه من بضاعة واختفى.
رجع الأعرابي يحمل الخف الأول، فوجد الخف الثاني على الأرض ولم يجد جمله. حمل الخفين ورجع إلى قبيلته.
تعجب القوم عندما رأوا صاحبهم يرجع إليهم ماشياً على رجليه وليس راكباً على جمله فسألوه: ((بماذا جئت من سفرك))
فأجابهم: ((جئت بخفي حُنين)) وأراهم الخفين. فسخر القوم منه بعد أن دخلوا يرددون: ((رجع بخُفّي حُنين)).
وهكذا بقيت العرب تضرب هذا المثل لمن يعود إلى أهله خائباً، خالي اليدين وقد أضاع جهده وماله.

السبت، 30 يناير 2016

كلثوم ابن الأغر والحجاج


يحكى ان كلثوم ابن الأغر ( المعروف بدهائه وذكائه)..
كان قائدا" في جيش عبدالملك ابن مروان
وكان الحجاج ابن يوسف يبغض كلثوم
فدبر له مكيده جعلت عبدالملك ابن مروان يحكم على كلثوم ابن الأغر بالاعدام بالسيف فذهبت أم كلثوم إلى عبدالملك ابن مروان تلتمس عفوه فاستحى منها لأن عمرها جاوز المائه عام . .
فقال لها سأجعل الحجاج يكتب في ورقتين الأولى يعدم وفي الورقه الثانيه لايعدم
ونجعل ابنكِ يختار ورقه قبل تنفيذ الحكم فإن كان مظلوم نجاه الله..
فخرجت والحزن يعتريها:'( فهي تعلم ان الحجاج يكره ابنها والارجح انه سيكتب في الورقتين يعدم . .

فقال لها ابنها لـأ تقلقي يا أماه
ودعي الأمر لي ..

وفعلا قام الحجاج بكتابه كلمة يعدم في الورقتين
وتجمع الملأ في اليوم الموعود ليروا ماذا سيفعل كلثوم ..
ولما جاء كلثوم في ساحة القصاص
قال له الحجاج وهو يبتسم بخبث
اختر واحده
فابتسم كلثوم  واختار ورقه وقال :اخترت هذه.

ثم قام ببلعها دون ان يقرئها
فاندهش الوالي وقال ماصنعت ياكلثوم
لقد أكلت الورقه دون ان نعلم مابها

 فقال كلثوم:
يامولاي اخترت ورقه وأكلتها دون ان أعلم مابها ولكي نعلم مابها ، انظر للورقه الاخرى فهي عكسها  . .

فنظر الملك للورقه الباقيه فكانت (يعدم)
فقالوا لقد اختار كلثوم ان لا يعدم


بقليل من التفكير نستطيع صنع اشياء عظيمة  .. فأذا اردت صنع الاشياء العظيمة عليك بالتفكير " .. لكن قبل التفكير يجب ان تعلم انه لكل داء دواء‏‏‏‏‏‏‏‏ ‏من ذكاء العرب  ..
قصه من التراث الأمــوي  ..

الملك و وزير حكيم

كان لأحد الملوك وزير حكيم وكان الملك يقربه منه ويصطحبه معه في كل مكان. وكان كلما أصاب الملك ما يكدره قال له الوزير "لعله خيراً" فيهدأ الملك. وفي إحدى المرات قُطع إصبع الملك فقال الوزير "لعله خيراً" فغضب الملك غضباً شديداً وقال ما الخير في ذلك؟ وأمر بحبس الوزير. فقال الوزير الحكيم "لعله خيراً" ومكث الوزير فترة طويلة في السجن. وفي يوم خرج الملك للصيد وابتعد عن الحراس ليتعقب فريسته, فمرّ على قوم يعبدون صنم فقبضوا عليه ليقدّموه قرباناً للصنم ،ولكنهم تركوه بعد أن اكتشفوا أن قربانهم إصبعه مقطوع.. فانطـلق الملك فرحاً بعد أن أنقذه الله من الذبح تحت قدم تمثال لا ينفع ولا يضرّ وأول ما أمر به فور وصوله القصر أن أمر الحراس أن يأتوا بوزيره من السجن واعتذر له عما صنعه معه وقال أنه أدرك الآن الخير في قطع إصبعه, وحمد الله تعالى على ذلك. ولكنه سأله عندما أمرت بسجنك قلت "لعله خيراً" فما الخير في ذلك؟ فأجابه الوزير أنه لو لم يسجنه.. لَصاحَبَهُ فى الصيد فكان سيُقدم قرباناً بدلاً من الملك... فكان في صنع الله كل الخير.

عاهدني على أنك لا تكذب

يروى أن غلاماً خرج من مكة المكرمة إلى بغداد طالباً للعلم، وعمرهُ لا يزيد على اثنتي عشرة سنة، وقبل أن يُفارق مكة المكرمة قال لأمه: يا أماه أوصني. فقالت: له أمه: يا بني عاهدني على أنك لا تكذب. وكان مع الغلام أربعمائة درهم ينفق منها في غربته فركب دابتهُ متوجهاً إلى بغداد. وفي الطريق خَرجَ عليه لصوص فاستوقفوه، وقالوا له: أمعك مال يا غلام؟ فقال لهم: نعم معي أربعمائة درهم. فزؤوا منه وقالوا له: انصرف فوراً أتهزأ بنا يا غلام؟ أمثلك يكون معه أربعمائة درهم؟! فانصرف وبينما هو في الطريق إذ خرج عليه رئيس عصابة اللصوص نفسهُ واستوقفهُ وقال له أمعك مالٌ يا غلام؟ فقال له الغلام: نعم، فقال له: وكم معك؟ فقال له: أربعمائة درهم. فأخذها قاطع الطريق وبعد ذلك سأل الغلام لماذا صدقتني عندما سألتك ولم تكذب عليّ وأنت تعلم أن المال إلى ضياع؟ فقال لهُ الغلام: صدقتك لأنني عاهدت أمي على ألا أكذب على أحد. وإذا بقاطع الطريق يخشع قلبه لله رب العالمين، وقال للغلام: عجبت لك يا غلام تخاف أن تخون عهد أمك وأنا لا أخاف عهد الله عز وجل، يا غلام خذ مالك وانصرف آمناً وأنا أعاهد الله أنني قد تبت إليه على يديك توبةً لا أعطيه بعدها أبداً. وفي المساء جاء التابعون له من السارقين، وكل منهم يحمل ما سرقه ليسلموه إياها، فوجدوه يبكي بكاء الندم فقال لهم: إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها. فقالوا له: يا سيدنا إذا كنت قد تبت وأنت زعيمنا فنحن أولى بالتوبة منك إلى الله وتابوا جميعاً.

جئت لأسرقه فسرقني

يُحكى أن لصاً تسوّر على مالك بن دينار داره، فلم يجد في الدار شيئاً يسرقه، فرآه، وهو قائم يُصلي، فأوجز في صلاته، ثم التفت إلى اللص، وسَلّمَ عليه، وقال: يا أخي تاب الله عليك، دخلت منزلي، فلم تجد ما تأخذه، ولا أدعك إلا بفائدة، وقام وأتاه بإناء فيه ماء، وقال له: توضأ وصلّ ركعتين، فإنك بخير مما جئت في طلبه، فقال لهُ اللص: نعم وكرامة، وقام وتوضأ، وصلى ركعتين، وقال: يا مالك أيخفف عليك أن أزيد ركعتين أخرتين؟ قال: زد ما قدر الله لك، فلم يزل اللص يُصلي إلى الصبح، فقال لهُ مالك: انصرف راشداً، فقال: يا سيدي أيخفف عليك أن أقيم عندك هذا اليوم فإني قد نويت صيامه؟، فقال له مالك أقم ما شئت. فأقام عنده أياماً صائماً، فلمّا أراد الانصراف قال اللص: يا مالك قد نويت التوبة، فقال مالك: ذلك بيد الله عز وجل، فتاب اللص وحسنت توبته. وخرج من عنده فلقيه بعض اللصوص فقال له: أظُنك وقعت بكنز، فقال: يا أخي وقعت بمالك بن دينار، جئت لأسرقه فسرقني، وقد تبت إلى الله عز وجل، وها أنا ملازم الباب فلا أبرح حتى أنال ما نالهُ الأحباب.